منى الحضري تكتب بالعامية: “راح الكتير ما بقى إلا القليل”
كتبت .ا.منى الحضرى
للوهلة الأولى تبان عبارة تشاؤمية من الدرجة الأولى، بس لو فكرنا شوية هنوصل للعكس، “راح الكتير ما بقى إلا القليل” هي أكتر عبارة محفزة لينا في واقعنا الصعب جداً جداً. إزاي؟، هأقلك ….! الفكرة بالتأكيد وليدة خبرات متتالية في التعامل مع الناس وفي الشغل والحياة ومع نفسي، والأهم في علاقتي بربنا: مع الناس، طبايع ونفوس مختلفة وساعات بألاقيها غريبة عليّ ومش مفهومة، خذلان ومصالح وغش ونفاق وتطبيل ونكران جميل … حاجات كلها مرهقة ومع الوقت مهلكة لطاقتنا وقدرتنا على الحياة بشكل طبيعي ومتوازن في حالة الاستسلام، لكن لما اتذكر إن راح الكتير ما بقى إلا القليل بأحاول وبجدية أتجاوز الفكرة السلبية وأتخطى ظلم الإنسان لأخوه الإنسان بقصد أو بدون، وبأتأكد إن الاهتمام والمحبة وجبر الخواطر أمور لا تشترى ولا تطلب، وإن اللي باعك هو الخسران مش العكس. في الشغل، كم إحباطات كفيل بترك الجمل بما حمل وعادي بقى اشتري دماغك لأنها مش جايبة همها مادياً يعني وشكراً، بالإضافة إلى الكم من المساومات على أمانتك واحترامك لنفسك وسط بيئة السمة الأساسية ليها عكس كده تماماً في كثير من الأحيان، وكم رهيب من الجزع اللي كان في البداية دهشة مع صدمات خفيفة ومع التكرار اتحول لجزع ورعب من فكرة السير مع التيار “لا قدر الله” لإن معايير التفوق والكفاءة أصبحت مذرية ومجحفة للفئة الملتزمة “إلا من رحم ربي” طبعاً، لكن لما اتذكر إن راح الكتير ما بقى إلا القليل إصراري بيزيد على السير عكس التيار وأفضل زي ما أنا وكما تربيت مرفوعة الرأس احترم ذاتي لكن دونما صدامات خاسرة، ودا ليس عن ضعف، ولكني لا أمتلك أسلحة هذا الزمان، والأهم إني أعمل اللي عليّ لوجه الله أولاً وبنية النفع دون النظر للنتيجة لان النتيجة سواء كانت نجاح أو فشل لله وبيده وإن عليّ الأخذ بالأسباب ولكن ليس عليّ بلوغ النتايج، وعدم الاستماع للمحبطين أو بمعنى أصح عدم الاكتراث بما يقولون ويروجون وعدم الوقوف كثيرا أمام تجاربهم اللي أحيانا بتكون معطيات أدت لنتيجة ما هم عليه الآن، ممكن أتعلم الدرس لكن لا التفت للوراء أكتر من اللازم، وفي المقابل اتعلم من الناجحين المتميزين دون أن أقلدهم ولا أسعى أبداً لأن أكون نسخة مكررة من أحد. مع نفسي: مفيش حاجات مفيدة كتير ممكن أقولها لإن حياتي في كلمتين (يا بأتعلم، يا مبأتعلمش) وفي الأغلب مبأتعلمش لإني من الناس اللي نشأت على نسيان الإساءة والتسامح والعفو عند المقدرة والتماس العذر بعد العذر ولو منفعش يكون الإنسحاب في هدوء ظاهر بينما الباطن بركان يغلي لا يعلم به إلا علام الغيوب وطبيب القلوب سبحانه. بس الحقيقة أنا لم بافتكر إن راح الكتير ما بقى إلا القليل بأبقى عاوزة أفرح وأعيش كل لحظة من عمري مبسوطة ومرتاحة، عشان كده بقيت بأحاول مأغرقش لأذنيّ في النكد والمواجع زي زمان، بأدوّر على الحلو في كل محنة وباعتبره منحة من ربنا، بأبقى نفسي يكون لي الحق اختار كل حاجة وكل حد في حياتي، بأقدّر قيمة الكنز اللي في إيدي، بأتمنى مأضيعش لحظة من غير الناس اللي بأحبهم، بأتمنى ربنا يجمعني بيهم وبالطيبين أينما حللت، بأتمنى “أنا لسه صحيح، بأتمنى” بس بأمانة النية خير ورب السرائر مطلع ولا يعجز قدرته شيء. بالنسبة بقى للعلاقة الأهم في حياتي وحياتنا كلنا، علاقتي بربنا: أنا على الطريق، بأحاول أقرب بالعبادات والورد اليومي من القرآن والأذكار والمحافظة على الصلاة وأعمال الخير قدر ما استطيع، والاستغفار والصلاة على الحبيب، والإلحاح في الدعاء وطلب العفو والمعافاة والعافية من الرحمن، لكن الجديد واللي بأحاول أعتاده وأدرب نفسي عليه هي عبادة “الرضا” أيا كان قضاء الله، واليقين بأن ما أخطأني لم يكن ليصيبني وما أصابني لم يكن ليخطئني، وأن الحاجات اللي مكنش ليّ نصيب فيها أصلاً عمرها ما كانت بتاعتي، اليقين دا بيشفيني من مرض لعين اسمه “جلد الذات” ومحاسبة وتعنيف النفس على اختيارات ومواقف خدناها في وقت من الأوقات ونظن بعدين أنها ضيعت مننا فرص وناس وحاجات كانت لينا، رغم إن الحقيقة أنها لم تكن ملكنا من الأساس، وأن الخيرة فيما اختاره الله لنا في وقته وتاريخه وحسب ظروفنا … ياااه، لو بصينا لأي موضوع من منظور لطف ربنا بينا ونسيبنا بقى من نظرة الناس الضيقة والظالمة لينا ولاختياراتنا ونفتكر دايماً إن ميحسش بوجعك غير اللي جربه وعاشه. “راح الكتير ما بقى إلا القليل” هي هديتي السنة دي لنفسي في يوم ميلادي كمحفز لاقتناص لحظات السعادة والتلذذ بيها لآخر رشفة وعبور ساعات الألم مهما كانت قاسية وظالمة، وبالمناسبة اسمه “يوم ميلادي” مش “عيد ميلادي” عشان في الحقيقة كل يوم بيمر علينا وإحنا بصحة عيد.