” طريقي ” : كتاب أول يروي مذكرات الجنزوري من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء
” طريقي ” :
كتاب أول يروي مذكرات الجنزوري من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء
عرض: محسن حسن
لسنوات طوال ، ظل الدكتور كمال الجنزوري ، صامتاً لا يدلي بحديث ، ولا يظهر في أية لقاءات تليفزيونية ، مفضلاً أن يساعد في صمت ، كل من يقصده للمشورة ، إلى أن تغيرت حال مصر ، فقرر أن يكتب مذكراته ، وفي هذا الجزء الأول من شهادته ، يلقي الضوء على مشوار طويل من العمل والكفاح مهد له الطريق من طفولة بقرية صغيرة إلى دراسته وحصوله على درجة الدكتوراة من الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم الوظائف التي تقلدها ، وانتهاءً بإنجازاته المتوالية كرئيس لمجلس وزراء مصر وحتى نهاية حكومته الأولى في اكتوبر عام 1999 ، وإلى جانب كل هذا يتناول الدكتور الجنزوري في كتابه ، منهجية العمل الحكومي ، وكيف تقوم الحكومات بأداء عملها للحفاظ على مصالح الدول ، هذا بالإضافة إلى أسرار دار خلف كواليس مقابلاته المختلفة مع العديد من شخصيات العالم أمثال بوش الأب وكلينتون وآل جور وتوني بلير ونتنياهو . الكتاب صادر في طبعته الثالثة عن دار الشروق المصرية ، في أكثر من 200 صفحة من القطع المتوسط ، وقد اعتمد مؤلفه على نظام العناوين المتتابعة بعيداً عن الفصول والتبويبات .
خبير غلال
بعد أن يروي الجنزوري أجواء رحلة انتقاله في سن الثانية عشرة من قريته ” الباجور ” إلى القاهرة ، ليلتحق بالمدرسة الثانوية ، وكيفية ارتباطه وتعلقه باجتماعات حزب مصر الفتاة في مقره حينئذ بالشارع الخلفي الموازي للنادي السعدي ، وذلك في عهد زعيمه الحزبي السيد أحمد حسين ، يذكر الجنزوري كيف أنه بعد تخرجه من كلية الزراعة في يونية سنة 1957 وفي ظروف كانت تتطلب التحاقه بالجيش لأداء الخدمة العسكرية ، أخذ في البحث عن عمل إلى تم التحاقه بوظيفة اسمها أفضل كثيراً من ميزاتها واختصاصاتها ـ على حد قوله ـ وهي وظيفة خبير الغلال بأحد فروع بنك الائتمان الزراعي بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية ، ولكن تم إبعاده بعد خلافه المشروع مع مدير الفرع السيد سيف الدين القباني ، ذلك المدير الذي يذكر الجنزوري كيف أنه التقى به بعد اثنتين وثلاثين سنة من هذه الواقعة عندما كان الجنزوري نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للتخطيط ، وكان الرجل مستشاراً لإحدى الشركات ، ليستقبله أحسن استقبال دون عتاب أو لوم .
نفاق الرئيس
ومما يرويه الدكتور ” كمال الجنزروي ” في كتابه ، تفاصيل اجتماع مع الرئيس السادات عام 1978 عندما كان نائباً لوزير التخطيط ومديراً لمعهد التخطيط القومي ، حيث صدر قرار بتشكيل هيئة مستشاري الجمهورية أوائل أكتوبر من ذلك العام ، وبعد أن تم الاجتماع الأول للرئيس بخمسة عشر عضواً برئاسة المهندس ” سيد مرعي ” في استراحة الرئاسة بالقناطر الخيرية في يومه الأول ، فوجيء الجميع بعدم استكمال الرئيس لباقي أيام الاجتماع والمقرر لها ثلاثة أيام ، وكذلك بأمره بنقل أية اجتماعات قادمة إلى القاهرة ، وذكر الدكتور الجنزوري أن السبب في ذلك هو قيام بعض المتحدثين من الوزراء الحاضرين بمدح السادات بشكل مبالغ فيه من مثل قولهم ” كيف يكون لك مثل هذا العدد من المستشارين وأنت يا سيادة الرئيس مستشار الأمة وحاكمها ” ، وأنه توالى النفاق مما أدى في نهاية الأمر إلى إلغاء الاجتماعات برمتها .
شهادة في حق المشير
ويدلي الدكتور الجنزوري بشهادة خاصة خلال الكتاب في حق المشير الراحل محمد عبد الحليم أبو غزالة ، وذلك في إطار حديثه عن أحداث الأمن المركزي في الخامس والعشرين من فبراير عام 1986 في عهد الرئيس المصري حسني مبارك وخلال تولي الدكتور علي لطفي منصب رئاسة مجلس الوزراء ، وعلى خلفية أحداث متأزمة أخرى مثل أزمة الطائرة المصرية في مالطا وغيرها ، وكيف أن المشير أبو غزالة وزير الدفاع والإنتاج الحربي ، استطاع احتواء أزمة جنود الأمن المركزي ، وكيف أن الجنزوري شهد بنفسه في مقر القيادة العسكرية خلال إحدى زياراته الخاصة للمشير ، وكيف كان رد أبو غزالة على أحد القادة ، والذي طالبه بالتخلص من الرئيس مبارك حتى تستقر البلاد ؛ حيث رد أبو غزالة قائلاً بكل حزم ” لا يمكن لي أن أفعل ذلك وإن أخطأت وفعلت … فسيفعل معي فيما بعد ” .. يقول مؤلف الكتاب ” وانتهى الأمر ، واستقرت الأمور ، وعاد الجيش إلى ثكناته ، ولم يذكر هذا للمشير أبو غزالة عند صاحب الأمر … فخطط لاستبعاده ، ولكن الأمر طال عليه ، إلى أن نجح بعد ثلاثة أعوام ” .
صدامات الأسرة الحاكمة
وبعد أن يدلي صاحب الكتاب بانطباعاته ومذكراته الخاصة بظروف توليه منصب رئاسة الوزراء إثر إقصاء سابقه الدكتور عاطف صدقي بعد تراجع الموازنة العامة للدولة وتدني الأحوال المعيشية خلال يناير 1996 ، وبعد تفاصيل عديدة عن مباشرته مهامه برئاسة الوزراء ، يذكر الدكتور الجنزوري تفاصيل اللحظة الفارقة والتي تم استبعاده على أثرها من هذا المنصب ، وكيف قام الرئيس مبارك وقتئذ بتجاهله عبر تكليف السيد زكريا عزمي ــ على غير المتبع ـ بدعوة مجلس رئاسة الوزراء للاجتماع ، ، وهو ما دعاه لطلب مكاملة الرئيس ، حيث جرت مكالمة تليفونية كان آخرها توجيه مبارك بإلغاء الاجتماع المقرر بعد أنتهى المكالمة قائلاً ” كمال .. خلاص .. خلاص ” .. يقول الدكتور الجنزوري ” كان هذا الحدث بداية لصدام أو عدم رضا من جانب الرئيس وأسرته ” ، ويذكر الدكتور أحداثاً مشابهة لصدامات مع سوزان مبارك زوجة الرئيس ، والتي أدت لنفس النتيجة المتوقعة وهي تركه لمنصب رئاسة الوزراء عام 1999 .
الوقيعة
وفي ختام الكتاب ، يذكر الدكتور الجنزوري صراحة ، أن السيد ” زكريا عزمي ” كان له أكبر الأثر في الوقيعة بينه وبين الرئيس مبارك ؛ حيث ذكر تفاصيل عديدة لملامح تلك الوقيعة ، كان أبرزها قيام عزمي باستغلال أوقات غضب الرئيس بسبب عدم النوم بعد قدومه من السفريات غالباً ، لنقل رسائل مغلوطة ووشايات مغرضة ، كان من نتائجها قيام مبارك بالدخول في حديث ثائر وغاضب مع الجنزوري ، بالإضافة لظهور حملة صحفية ضده كان منها صدور مقال للكاتب ” سمير رجب ” بجريدة الجمهورية صبيحة الأحد 3 أكتوبر 1999 تحت عنوان ” المغرور ” ، يقول الكاتب ” … بعد أن انتهى خطاب الرئيس ، ذهبت إلى مجلس الوزراء لعقد جلسة لتقديم الاستقالة ، وجدت اللواء عمر سليمان ، منتظراً بالصالون الملحق بالمكتب ، وسألته : ماذا حدث ؟! فقال مباشرة وبكلمات محددة : لقد أقنعه الذين حوله أنك أصبحت ندّاً له”.