بقلم عاطف محمد
فى تلك المنطقة الشعبية بسيطة التفاصيل، والتى تموج بالبشر بين ذاهب وآت بين سعيد وحزين بين غاضب وهادىء، يدور أهلها فى مطحنة الحياة يجابهون مصاعب الحياة على أمل فرصة عيش عادلة ، لكن هذا الوجه لا يمكن أن تخطئه أى عين ، أنه وجه لا تبتعد الابتسامة عن ثغره أبدا ولا تفارقه لحظة، فدائما هو بشوش الوجه كثير الحمد يلهج لسانه بالشكر لله والحمد على عظيم فضله، وكان صاحب الوجه الحامد الشاكر يحب السعادة ولا يهدأ قبل أن تنطلق الوجوه بالابتسمات وتهدأ النفوس من الأنين ، الكبير قبل الصغير وخصوصا الأطفال حتى أن الأطفال أطلقوا عليه
” عم ابراهيم الحلو “فقد كانت ابتسامة هى سر جمال وجهه وحلاوة لسانه كانت تفوق الخيال ، ورغم بساطة حياة عم إبراهيم ومعاشه الذى بالكاد يكفيه لأنه ينفق أغلبه على إسعاد كل أطفال المنطقة التى يقطن بها ، فهو يجد غاية السعادة في ذلك ، فقد مر عمره الطويل وماتت زوجته ولم يرزقه الله بولد ورضى بذلك ، فقرر أن يكون أبناء وبنات المنطقة أبنائه، يقابل هذا الطفل فيشتري له لعبه وتلك الطفلة يشتري لها حلوى وهكذا حتى أنه الأطفال اعتبروه بابا نويل الذى يحقق أحلامهم البسيطة أو الساحر الذى يصنع لهم الدنيا الجميلة زاهية الألوان ، حتى أنك قد تسمع طفلا يقول عندما يحضر عم إبراهيم سوف يشترى لى ماأريد كأنه جد جميع الأطفال ، وتمر الأيام والسنون ويزداد تعلق الأطفال بعم إبراهيم الحنون ، وفى يوم اعتبره أطفال المنطقة من أسوأ أيام حياتهم، فقد لاحظوا ….. غياب عم إبراهيم
لاحظوا عدم وجود عم إبراهيم….
لم يظهر منذ يومين….
ولم تشرق ابتسامته عليهم….
.افتقدوا مداعابته لهم ولعبه معهم ….
ذهب بعضهم إليه فى شقته الصغيرة فوجدوه مريضا بل شديد المرض لا يستطيع حراكا ، جن جنون الأطفال عندما علموا بذلك وتجمعوا عند بيته وجلسوا لمؤازرته ، وفشلت محاولات الأهالى عن اثنائهم بالمغادرة وترك المكان فكان الرد” لن نغادر قبل شفاء عم إبراهيم” قالوها بوجوه تحمل ملامح الاصرار، حاول الأهالى تقديم العلاج حسب تعليمات الطبيب ولكن لم يقدم العلاج من حالته الصحية قيد أنملة ولم تتقدم حالته الصحية أى خطوة، فقد الوجه البشوش النضرة وأصاب الجسم الهزال ونال منه الإعياء حدا كبيرا ، ولكنه مازال مبتسما ومرت عدة أيام على نفس الحال لا جديد ، فشلت أمور الدنيا وبقيت رحمة الله ، واستيقظت المنطقة عند صلاة الفجر على صيحات دعاء الأطفال الذين رابطوا أسفل بيت عم إبراهيم كان الدعاء حارا متألما ينفجر بلا توقف ، دعاء جعل دموع الكثيرين تسيل بلا توقف اجهش الكل فى البكاء ، فقد كان دعاء الأطفال صادقا نقيا بلا زيف أو رياء خارجا من القلب يطلبون فيه من الله شفاء عم إبراهيم لا أكثر ولا أقل ، وظلت أصوات الأطفال تلهج بالدعاء بلا توقف مع موجات من البكاء الشديد دعت البعض أن يتسأل ماذا بين هذا الرجل وبين الله؟؟؟؟؟
ماهو السر حتى يسخر له هذا الكم من الأطفال ليدعون له ويرفضون التحرك من أسفل بيته حتى يشفى ؟؟؟؟؟
أنه الحب…..
نعم الحب…. حب بلا هدف حب ليس له توجيه… حب لله وفى الله … حب لصاحب الابتسامة والحنان ودفء المشاعر والاحتواء ، وقد أثار منظر الأطفال وهم نيام فى الشارع بعد إرهاق السهر والتعب خوفا وقلقا على عم إبراهيم الكثير من أهل المنطقة واشفقوا عليهم ولكن ما باليد حيلة لقد فشلت كل المحاولات لإقناعهم بمغادرة المكان واكتفوا بتوفير أغطية للأطفال الذين اتخذوا الشارع سريرا لهم لا يهمهم أى برد أو أى مخاطر كل ما يهمهم شفاء عم إبراهيم ، وعند الظهر تقريبا استيقظ الأطفال على دوي هائل من التصفيق والزغاريد والصيحات فقد رأى الأطفال ما لم يكن فى الحسبان شاهدوا أجمل مشهد فى حياتهم لقد ظهر عم إبراهيم من آخر الشارع بابتسامته المعهودة ظهر فارس النقاء والحب ظهر كأنه قائد عاد توا وهو منتصر فى أكبر معركة، عاد يحمل رايات الانتصار وصولجانات المجد عاد وهو يحمل…… الهدايا واللعب للأطفال الذين استجاب الله لدعائهم وشفى عم ابراهيم الذى خرج مسرعا وهم نيام وأحضر لهم الهدايا …
كيف؟ ولماذا؟ وأين؟
رب الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب ……
إنها إرادة الله مستحيب الدعاء واسع الفضل والعطاء ، وبدأت فى الشارع صورة ولا أروع لو وصفتها الكلمات لعجزت عن الوصف ولو ألتقطتها العدسات ماتم تصديق محتواها أنها مظاهرة حب لقد عاد الدم إلى القلب ، لقد قفز الأطفال غير مصدقين وطار كل منهم إلى عم ابراهيم ليشكلون عناقا كبيرا بفرح هيستيري دموعهم تنهمر بلا توقف يحتضنون عم إبراهيم وألسنتهم تشكر الله عز وجل على نجاة عم إبراهيم وشفائه يرددون “الحمد لله الرحمن الرحيم على شفاء عم إبراهيم” حتى أن جميع أهل المنطقة رددوا خلف الأطفال الحمد لله الرحمن الرحيم على شفاء عم إبراهيم…..
نادرون هم أولئك الناس الذين يكون العطاء دون انتظار المقابل أحد متعهم الخاصة.
العطاء هو أول عطر نوراني يخرج من شجرة الحب ليغمر الكون فرحا .
السر في العطاء لا يكمن في مجرد العطاء فحسب، بل في إحساسك بأنك تتحول إلى شخص أفضل قادر على العطاء بحب .
العطاء دون حب لا قيمة له.. …
أعمار الأمهات والأباء لا تقاس بالسنين بل بما استودعه الله في قلوبهم من خير العطاء وحب الأبناء .