تأليف // علية مصطفى خضر
على مائدة الغداء بإحدى دور المسنين تقابلا كانت تجلس بالمقعد المقابل له، ولكنها جسداً بلا روح عينان زائغتان نظرات شاردة لا هدف لها، ولا مكان تارة تنظر إليه، وأخرى ليدها التي تعبث بالطعام، ولا تمتد إليه، ومرة لباب المطعم، وكأنها تنتظر ضيفاً عزيزاً لن يأتي أبداً .
مابك سيدتي ؟ بادرها بالسؤال إرتبكت، ولم تجب بل زاد توترها، ثم أزاحت كرسيها عن المائدة، وانصرفت دون تناول لقمة واحدة من الطعام .
أثارت فضول الأستاذ ( رمضان ) وقرر مساعدتها للخروج من هذه الحالة المزرية التي تمر بها .
وسال المشرفة بالدار عنها، ولكنها لم تجب أيضاً، وقالت له من فضلك أتركها بحالها كل إنسان له همومه، وانصرفت لعملها .
لكنه لم يستطع تنفيذ هذه النصيحة فصورتها أمام عينيه لا تريد الرحيل، وتشغل عقله بل كل تفكيره ماذا حدث لهذه المرأة ؟ ولماذا هي بالدار أنها صغيرة السن لا تتعدى الأربعين، وكذلك جميلة بل تتمتع بجمال أخاذ يسرق البصر، ويجعلك تنظر لهذا الجمال مرغماً
حاول الأستاذ ( رمضان ) صرف التفكير عن ذهنه فنزل لصحن الدار ليلعب ( طاولة) مع صديقه الأستاذ ( جلال) ولكنه ظل شارداً رغماً عنه، بل ونجح الأستاذ ( جلال ) في هزيمته لأول مرة مذ لعبهما معاً، واستغرب ( جلال ) لشرود صديقه، ورفيقه بالدار مذ سنوات فلم يراه كذلك مذ أن اجتمعا معاً بعد وصوله مباشرة من منزله للإقامة بالدار، ومعرفته أنه جاء للدار بنفسه لم يجبره عليها أحد مثله، بل جاء طائعاً باحثاً عن الصحبة بعد زواج الأبناء وانشغالهم بحياتهم، ورحيل رفيقة العمر لمثواها الأخير .
ماذا حدث يا صديقي :” هل مازالا الأبناء يرفضون تواجدك بالدار، ويطلبون منك الرحيل منها والعودة لمنزلك؟
ولكنه ظل شارداً، ولم يرد، ولم يسمع أصلا كلام صديقه، ولم ينتبه إلا على جرس هاتفه المحمول، وبعد الرد على المكالمة انصرف تاركاً صديقه في حالة حيرة .
وتوجه مباشرة إليها ! نعم دق باب غرفتها مرةـ اثنتان ـ ثلاث ـ إلى أن فتحت الباب، وفوجئت بمن يقف به، وظهرت أثار الحيرة، والدهشة على وجهها الملائكي الذي يحمل هموماً ثقال أي خدمة أستطيع تقديمها لسيادتك كان ردها!
نعم سيدتي اسمحي لي بالكلام معك لدقائق معدودة أرجوك لا تعتبريني متطفلاً، فلم أستطيع إخراج صورتك من ذاكرتي أبداً صدقيني حاولت، وفشلت.
ردت هل تعرفني سيدي؟ هل تقابلنا سابقاً؟
” لا لاأعرفك بل جئت للتعرف عليك، وحل مشكلتك، فأنا محامي شهير، ومهما كانت قضيتك مع الأستاذ ( رمضان ) محلولة بإذن الله ”
ارتعدت، وظهر الخوف على وجهها، وتقهقرت للخلف لإغلاق الباب لكنه لم يسمح لها، بل وضع يده حائلاً حتى لا يتم إغلاقه، وقال: لها صدقيني أنا هنا للمساعدة أرجوك أريد فرصة لانتشالك من هذا الحزن الرهيب المرسوم على محياك الجميل سيدتي!
وكأنه داس على الزناد انطلقت دموعها تتلاطم على خديها كأمواج بحر لجي لا يعرف له مرسى ولا قرار.
وانتهز الرجل الفرصة، وطلب منها الجلوس ببهو الدار للتحدث، ومساعدتها، وجلسا، وبعد تردد وحيرة قالت:” إنها تتمنى الموت حتى لا تسبب الفضيحة لأولادها ”
قال:” مستغرباً ماذا؟ هذا الوجه الملائكي يسبب ماذا؟ لا ياسيدتي إنك تبالغين! قصي حكايتك من فضلك، و اتركي الحكم لي ”
قالت:” كنا أسرة سعيدة أنا، وزوجي، وأولادي نعيش حياة هادئة جميلة وارفة بالحب والهناء إلى أن خطفه الموت منا أثر حادث أليم على الطريق الزراعي مابين القاهرة والاسكندرية، وانتهت أيام العزاء الثلاث كأنها دهر، وانتظرت انصراف أخوة زوجي حتى يعود الهدوء لحياتنا مرة أخرى، وحتى نستطيع استكمال العام الدراسي، فالأولاد الثلاث بمراحل تعليمية مختلفة، ويحتاجون للتركيز في دراستهم لكن إقامة أشقاء الراحل طالت، وعندما تكلمت معهم في الموضوع هددوني، وطلبوا مني أنا الرحيل! وإلا تدمير مستقبل الأبناء، و إخبارهم بالسر الذي كان الراحل يخفيه حتى عني أنا، وأسقط في يدي ماذا يحدث، وماهو السر الدفين الذي أخفاه الراحل عني؟
وكانت الصدمة أخبروني أنني ( لقيطة تربية ملجأ ) كما يقولون، ولديهم المستندات التي تثبت أنني لا أهل لي، وأنني من الشارع، وإذا لم أرحل سيخبرون الأولاد، ويدمرونهم ، أو التنازل عن كل ما أملك لهم ( لم أخبر سيادتك ) أن الراحل كتب لي كل أملاكه أثناء حياته، وكأنه كان يعلم!!! وأسرعت بالذهاب إلى من كنت أناديهم ( أبي،و أمي ) وصدقا على كلام أشقاء الراحل، وأنني ابنة متبناة ( لقيطة من الملجأ ) وأن الراحل كان يعلم ذلك ولم يهتم ابداً ، وتملكتني الحيرة ماذا أفعل؟ ولم أجد سوى هذه الدار للاختباء بها من مصيري المحتوم حتى يحكم الله في أمري.
ولا أعلم عن الأولاد شيء وتركتهم في أيدي من لا يرحم، وأموت كل ثانية بل كل لحظة ألف مرة، ولا أدري ماذا أفعل ؟
هون الأستاذ ( رمضان ) عليها الأمر، وطلب منها الثقة به، وأنه إن شاء الله سيحل لها هذه المشكلة، وستعود لسابق حياتها مع أولادها ولن يعكر صفو حياتهم أشقاء الزوج مرة أخرى، ووصل الأستاذ ( رمضان ) للأولاد ووجدهم في حالة إنهيار كامل لغياب أمهم، وطمئنهم، وشرح الأمر لهم، ورفض الأولاد منطق أعمامهم، وبعد أمهم عنهم فهي لا ذنب لها، ولا ناقة ولا جمل، وذهبوا لها يقبلون رأسها وقدميها فهي فخر لهم، وستظل كذلك .
وأنذر الأستاذ ( رمضان ) أشقاء الزوج الراحل بعدم التدخل في حياة الأم وتركهم يعيشون في سلام خاصة أن جميع المستندات مع الأم سليمة وموثقة بالشهر العقاري، وعادت لبيتها، وأولادها مرفوعة الرأس والهامة.
مابك سيدتي ؟ بادرها بالسؤال إرتبكت، ولم تجب بل زاد توترها، ثم أزاحت كرسيها عن المائدة، وانصرفت دون تناول لقمة واحدة من الطعام .
أثارت فضول الأستاذ ( رمضان ) وقرر مساعدتها للخروج من هذه الحالة المزرية التي تمر بها .
وسال المشرفة بالدار عنها، ولكنها لم تجب أيضاً، وقالت له من فضلك أتركها بحالها كل إنسان له همومه، وانصرفت لعملها .
لكنه لم يستطع تنفيذ هذه النصيحة فصورتها أمام عينيه لا تريد الرحيل، وتشغل عقله بل كل تفكيره ماذا حدث لهذه المرأة ؟ ولماذا هي بالدار أنها صغيرة السن لا تتعدى الأربعين، وكذلك جميلة بل تتمتع بجمال أخاذ يسرق البصر، ويجعلك تنظر لهذا الجمال مرغماً
حاول الأستاذ ( رمضان ) صرف التفكير عن ذهنه فنزل لصحن الدار ليلعب ( طاولة) مع صديقه الأستاذ ( جلال) ولكنه ظل شارداً رغماً عنه، بل ونجح الأستاذ ( جلال ) في هزيمته لأول مرة مذ لعبهما معاً، واستغرب ( جلال ) لشرود صديقه، ورفيقه بالدار مذ سنوات فلم يراه كذلك مذ أن اجتمعا معاً بعد وصوله مباشرة من منزله للإقامة بالدار، ومعرفته أنه جاء للدار بنفسه لم يجبره عليها أحد مثله، بل جاء طائعاً باحثاً عن الصحبة بعد زواج الأبناء وانشغالهم بحياتهم، ورحيل رفيقة العمر لمثواها الأخير .
ماذا حدث يا صديقي :” هل مازالا الأبناء يرفضون تواجدك بالدار، ويطلبون منك الرحيل منها والعودة لمنزلك؟
ولكنه ظل شارداً، ولم يرد، ولم يسمع أصلا كلام صديقه، ولم ينتبه إلا على جرس هاتفه المحمول، وبعد الرد على المكالمة انصرف تاركاً صديقه في حالة حيرة .
وتوجه مباشرة إليها ! نعم دق باب غرفتها مرةـ اثنتان ـ ثلاث ـ إلى أن فتحت الباب، وفوجئت بمن يقف به، وظهرت أثار الحيرة، والدهشة على وجهها الملائكي الذي يحمل هموماً ثقال أي خدمة أستطيع تقديمها لسيادتك كان ردها!
نعم سيدتي اسمحي لي بالكلام معك لدقائق معدودة أرجوك لا تعتبريني متطفلاً، فلم أستطيع إخراج صورتك من ذاكرتي أبداً صدقيني حاولت، وفشلت.
ردت هل تعرفني سيدي؟ هل تقابلنا سابقاً؟
” لا لاأعرفك بل جئت للتعرف عليك، وحل مشكلتك، فأنا محامي شهير، ومهما كانت قضيتك مع الأستاذ ( رمضان ) محلولة بإذن الله ”
ارتعدت، وظهر الخوف على وجهها، وتقهقرت للخلف لإغلاق الباب لكنه لم يسمح لها، بل وضع يده حائلاً حتى لا يتم إغلاقه، وقال: لها صدقيني أنا هنا للمساعدة أرجوك أريد فرصة لانتشالك من هذا الحزن الرهيب المرسوم على محياك الجميل سيدتي!
وكأنه داس على الزناد انطلقت دموعها تتلاطم على خديها كأمواج بحر لجي لا يعرف له مرسى ولا قرار.
وانتهز الرجل الفرصة، وطلب منها الجلوس ببهو الدار للتحدث، ومساعدتها، وجلسا، وبعد تردد وحيرة قالت:” إنها تتمنى الموت حتى لا تسبب الفضيحة لأولادها ”
قال:” مستغرباً ماذا؟ هذا الوجه الملائكي يسبب ماذا؟ لا ياسيدتي إنك تبالغين! قصي حكايتك من فضلك، و اتركي الحكم لي ”
قالت:” كنا أسرة سعيدة أنا، وزوجي، وأولادي نعيش حياة هادئة جميلة وارفة بالحب والهناء إلى أن خطفه الموت منا أثر حادث أليم على الطريق الزراعي مابين القاهرة والاسكندرية، وانتهت أيام العزاء الثلاث كأنها دهر، وانتظرت انصراف أخوة زوجي حتى يعود الهدوء لحياتنا مرة أخرى، وحتى نستطيع استكمال العام الدراسي، فالأولاد الثلاث بمراحل تعليمية مختلفة، ويحتاجون للتركيز في دراستهم لكن إقامة أشقاء الراحل طالت، وعندما تكلمت معهم في الموضوع هددوني، وطلبوا مني أنا الرحيل! وإلا تدمير مستقبل الأبناء، و إخبارهم بالسر الذي كان الراحل يخفيه حتى عني أنا، وأسقط في يدي ماذا يحدث، وماهو السر الدفين الذي أخفاه الراحل عني؟
وكانت الصدمة أخبروني أنني ( لقيطة تربية ملجأ ) كما يقولون، ولديهم المستندات التي تثبت أنني لا أهل لي، وأنني من الشارع، وإذا لم أرحل سيخبرون الأولاد، ويدمرونهم ، أو التنازل عن كل ما أملك لهم ( لم أخبر سيادتك ) أن الراحل كتب لي كل أملاكه أثناء حياته، وكأنه كان يعلم!!! وأسرعت بالذهاب إلى من كنت أناديهم ( أبي،و أمي ) وصدقا على كلام أشقاء الراحل، وأنني ابنة متبناة ( لقيطة من الملجأ ) وأن الراحل كان يعلم ذلك ولم يهتم ابداً ، وتملكتني الحيرة ماذا أفعل؟ ولم أجد سوى هذه الدار للاختباء بها من مصيري المحتوم حتى يحكم الله في أمري.
ولا أعلم عن الأولاد شيء وتركتهم في أيدي من لا يرحم، وأموت كل ثانية بل كل لحظة ألف مرة، ولا أدري ماذا أفعل ؟
هون الأستاذ ( رمضان ) عليها الأمر، وطلب منها الثقة به، وأنه إن شاء الله سيحل لها هذه المشكلة، وستعود لسابق حياتها مع أولادها ولن يعكر صفو حياتهم أشقاء الزوج مرة أخرى، ووصل الأستاذ ( رمضان ) للأولاد ووجدهم في حالة إنهيار كامل لغياب أمهم، وطمئنهم، وشرح الأمر لهم، ورفض الأولاد منطق أعمامهم، وبعد أمهم عنهم فهي لا ذنب لها، ولا ناقة ولا جمل، وذهبوا لها يقبلون رأسها وقدميها فهي فخر لهم، وستظل كذلك .
وأنذر الأستاذ ( رمضان ) أشقاء الزوج الراحل بعدم التدخل في حياة الأم وتركهم يعيشون في سلام خاصة أن جميع المستندات مع الأم سليمة وموثقة بالشهر العقاري، وعادت لبيتها، وأولادها مرفوعة الرأس والهامة.